منقول عن سي ان ان بالعربية
السلط، الأردن (CNN )– ما أن تطأ قدم الزائر الوسط المركزي لمدينة السلط في الأردن، حتى يبهره هدوء المدينة الممزوج بعبق الماضي، ويستوقفه الطراز العمراني للمباني ذات اللون الأصفر، والأبواب، والنوافذ المقنطرة
تتقاطع المآذن مع أعمدة الكنائس في محيط حيوي يقدّر بنحو 5-6 كيلومترات يضم 657 مبنى تراثيا، شكلت وغيرها مقوّمات المنافسة لتُدرج ضمن لائحة اليونيسكو للتراث العالمي، حاملة شعار “مدينة التسامح والضيافة الحضارية”
والسلط التي تقع على بعد نحو 29 كيلومترًا إلى الشمال الغربي من العاصمة عمّان، تُعتبر مركز محافظة البلقاء، ويشكل سكانها وتراثها مزيجًا متنوعًا من السكان، وكانت مركزا تجاريا لبلاد الشام والضفتين، وحاضنة ثقافية، ومنارة تعليمية، حيث تأسس فيها أول صرح تربوي عريق، أي مدرسة السلط الثانوية
وتمتاز السلط بمحيط تجاري، وعمراني، وسكاني حيوي، ومنها شارع الحمّام بمحلاته التجارية المميزة والذي أُقيم على آثار رومانية، يقابله المعلم الأشهر أي بيت أبو جابر الذي أصبح اليوم متحف السلط التاريخي، والمطل على ساحة العين، والسرايا العثمانية، ويعود تاريخه إلى أواخر القرن التاسع عشر، وشهد عصرا من العصور الذهبية بإدارة عائلة أبو جابر، ليكون مقر ضيافة، وكذلك محل إقامة للملك المؤسس عبدالله الأول عندما كان أميرًا
ويشتهر البناء بطرازه الفريد الذي يجمع بين العمارة الإسلامية والغربية، وبناه المعماري ابن مدينة نابلس عبدالرحمن العقروق بين عام 1896و1905، وهو يحاكي البيت البيروتي الشائع بأبوابه، ونوافذه الكثيرة ذات الأقواس، والزجاج الملون، والقاعات الوسطية المخصصة لاستقبال الضيوف
وشكل الطيف الاجتماعي والديني المتنوع للسلط، واحدة من ركائز اختيارها ضمن لائحة التراث العالمي، إذ يتجاور ويتشارك المسلمون والمسيحيون من سكانها في منازلها، وجدرانها، وأزقتها، كما تعاقب العثمانيون والأكراد عليها، وكانت محطة رئيسية لحركة التجارة في بلاد الشام وتحديدًا من مدينة نابلس
وقال مسؤول مديرية سياحة البلقاء، أيمن أبو جلمة في مقابلة مع موقع CNN بالعربية، إن من أهم ما يميز السلط أنها عبارة عن “حي” واحد، فلا يتواجد حي للمسلمين أو للمسيحيين أو النوابلسة أو السلطية، على حد تعبيره
وأضاف أبو جلمة: “هذه المدينة كعائلة واحدة، وهو أساس إدراجها ضمن لائحة التراث العالمي”، مشيرًا إلى أن سكانها يستمرون بتطويرها وترميم مبانيها التراثية، التي تبلغ 657 بالحجر الأصفر وبطرز معمارية متنوعة”.
وقرّرت لجنة التراث العالمي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة “اليونيسكو”، إدراج السلط ضمن لائحة التراث بعد ترشيحين سابقين عامي 1995 و2017، لتضاف إلى 5 مواقع أثرية غير مأهولة بالسكان، وهي المغطس، والبترا، ووادي رم، وأم الرصاص، وقصير عمرة
وأوضح أبو جلمة أن هناك خطة تعمل عليها وزارة السياحة، لتطوير الوسط التراثي للمدينة التي يقطنها نحو 70 ألف نسمة، على مستوى ترميم المباني التراثية، وإعادة تأهيل المجتمع المحلي، في مجال الخدمات السياحية والحرف وتعزيز دور الضيافة فيها، لافتا إلى أن الخطة تشمل أيضا تطوير الوسط الأوسع الذي يمتدّ إلى أطراف المدينة المطلة بطبيعة الحال على مدن القدس ونابلس
وتتلاقى أبواب الكنائس مع أبواب المساجد في المدينة، كما هو الحال في مسجد السلط الكبير الذي بُني على أنقاض مسجد يعود للعصر المملوكي، ويقابله المجمع الانجليزي وكنيسة الراعي الصالح ضمن مسار “الوئام”، وبالقرب منهما كنيسة اللاتين 1886، وهي مواقع من بين مئات المواقع الأثرية والدينية، حيث يتمركز في قلب المدينة 5 مقامات دينية مسيحية وإسلامية، من بينها أيضا مقام النبي الخضر والكنيسة الارثودكسية التي بُنيت إلى جوار مغارة عثمانية في عام 1682، وأُعيد ترميمها في عام 2004
وتُعد الضيافة في بيوت سكان المدينة، سمة متجذرة فيها بالرغم من أوضاع جائحة كورونا مؤخرًا، إذ بادرت بعض السيدات مؤخرا بتحويل جزء من منازلهن كمقرات إقامة، وضيافة للأكلات التراثية المحلية
وفي المحيط ذاته، يستوقف الزائر “بيت خيرات السلط” الذي يحيي عادات الضيافة المحلية، والترويج للباس التراثي للمرأة السلطية، والمعروف باسم” الخَلَقة” السلطية، وهو عبارة عن ثوب يُصنع من قماش حريري يُسمى “التوبيت” مصدره دودة القز، بحسب ما ذكرته الباحثة في التراث ثائرة عربيات لموقع CNN بالعربية، إضافة إلى عصبة الرأس الحمراء أو السوداء بالخيوط الذهبية
وقالت عربيات إن جمالية هذا الثوب تكمن في كمية القماش المستخدمة فيه، والتي تترواح بين 16و22 ذراعا
وأشارت عربيات إلى أنها بدأت باقتناء الأثواب السلطية لندرتها محتفظة بثوب عمره 180 عامًا، ويمكن للزائر مشاهدته في واجهة معرضها الذي خصصته لبيع وتأجير الأثواب التقليدية، موضحة أن “هناك ضعف ترويج للثوب الشعبي السلطي، وهو من أهم الأثواب تاريخيًا، ولم يعد منه إنتاج جديد بسبب طبيعة قماشه باهظ الثمن، والتطريز الأردني غير الشائع اليوم”، لافتة إلى أنه بخلاف التطريز الفلسطيني، فهو ثوب عظيم ببساطته وبتفصيله الذي يحتوي على الردة، التي كانت تمرر فيه المرأة الأردنية السلاح للثوار في الأراضي الفلسطينية