تقرير ليث الجنيدي/ الأناضول
على بعد 30 كم من العاصمة الأردنية عمان، وعلى سفوح مرتفعات البلقاء، تقع مدينة السلط، رابع أكبر مدن المملكة سكانا، وسميت قديما بـ”سالتوس”، نسبة إلى القائد اليوناني الذي فتحها زمن الإسكندر المقدوني وبنى فيها معبدا للإله “زيوس” بمنطقة “زي”
تعد مدينة السلط، رابع أكبر مدن الأردن سكانا، حيث سميت قديما بـ”سالتوس”، نسبة إلى القائد اليوناني الذي فتحها زمن الإسكندر المقدوني
يوجد بأطراف المدينة، مقام وضريح النبي يوشع بن نون، الذي يعود تاريخ بنائه إلى عهد الدولة العثمانية
كما يقع فيها صرح الشهداء الأتراك، الذي يرقد فيه رفات 300 جندي عثماني، قضوا في الحرب العالمية الأولى
في 27 يونيو الماضي، أدرجت منظمة “اليونيسكو” المدينة ضمن قائمة التراث العالمي.
على بعد 30 كم من العاصمة الأردنية عمان، وعلى سفوح مرتفعات البلقاء، تقع مدينة السلط، رابع أكبر مدن المملكة سكانا، وسميت قديما بـ”سالتوس”، نسبة إلى القائد اليوناني الذي فتحها زمن الإسكندر المقدوني وبنى فيها معبدا للإله “زيوس” بمنطقة “زي”.
ما إن يدخل زائرها المكان، حتى يجد حفاوة استقبال قل نظيرها، فالكرم صفة العموم لأهلها، فالابتسامة لا تفارقهم، و “أهلا وسهلا” أكثر كلامهم، يبعثون بها رسالة تنم عن طيب أخلاقهم.
“أبيش (لا يوجد) أحلى من السلط” مقولة مشهورة في الأردن، فبها ومن خلالها تتقلص كل المسافات على زائريها، وتصل الفكرة عن طبيعتها قبل دخول أزقتها وحواريها وشوارعها القديمة، وعمق التاريخ وأصالته تشهد له مبانيها التراثية المنتشرة في أرجاء المدينة
تعايش ديني لا تجده في مكان آخر، جرس الكنيسة يقرع والآذان يُرفع، المسيحي جار المسلم، تجمعهم المحبة والمودة، مآتمهم حزن للجميع، وفي الأفراح يتشاركون، صغيرهم قبل كبيرهم
في 27 يونيو/حزيران الماضي، قررت لجنة التراث العالمي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة “اليونسكو”، الموافقة على إدراج السلط “مدينة التسامح والضيافة الحضارية” على قائمة التراث العالمي
وللوقوف على أبرز ما يميز المدينة الأردنية عقب صدور قرار المنظمة الأممية، زار مراسل الأناضول السلط، واطلع على تراثها وحضارتها وأهم المواقع فيها.
مجتمع يتقاسم الأدوار
كانت الانطلاقة من “ساحة العين”، حيث يجلس تحت ظلال أشجارها مجموعات من رجال السلط، ممن تزيد أعمارهم عن الستين عاما، يسلون أنفسهم بألعاب تراثية ورثوها عن أجدادهم هي “الطاولة” و “المنقلة”، ويفرق جمعهم رفع آذان الظهر لأداء الصلاة
الساحة وفق ما يقول إبراهيم المصري (63 عاما)، للأناضول، تحمل اسمها نسبة لعيون الماء الثلاثة التي كانت فيها، وتعد على حد وصفه بأنها “أكبر تجمع سكاني في تاريخ الدولة الأردنية”
بالخروج من الساحة، لا بد لضيوف السلط من المرور بمطعم “الإسكندراني”، والقائم في بناء يزيد عمره عن 150 عاما، يتميز بفن إعماره، فجزء منه محفور أسفل أحد شوارع المدينة، ليشكل فنا مبتكرا في كيفية استغلال المكان، دون المساس بالمعالم التراثية للمدينة
وبحسب ما أفاد صاحب المطعم، محمد باكير، فإن إطلاق اسم الإسكندراني على المطعم هو نسبة لمؤسسي المكان، وهم أخواله، القادمون من لواء الإسكندرون في تركيا، فقد تركوا بصمات واضحة من خلال تصاميم “العقود”، التي يتسم بها البناء العثماني القديم
وأضاف باكير، أن “الأكلات الشعبية السلطية هي ما يقدم في المطعم، وتحقيقا لمبدأ التمكين المجتمعي، فإن جميع الأصناف المقدمة هي صناعة منزلية، تتقنها أيادي نساء المدينة”
خالد السليم، رئيس “وحدة شباب السلط” (تطوعية، تأسست عام 2016)، وصف شباب مدينته، بأنهم “رجال منذ طفولتهم، فالطفل تشعر برجولته منذ صغره، مبادئهم راسخة، ولا تجد اختلافا في أفكار أبناء السلط، فكبير السن يتفق مع الشاب رغم فرق العمر بينهم، وبالعكس”
أما نساؤها، فلا يقل دورهن عن الرجال في بناء المجتمع السلطي، فقد أكدت ريما ارتيمة، وهي سيدة مجتمع وناشطة، أن “النساء في السلط يتقاسمن الأدوار المجتمعية مع الرجال، ولهن دور فاعل بمختلف المجالات، فالتربية المبنية على ثوابت أهل المدينة وقيمهم وعاداتهم هو ما يميزهن، فضلا عن مشاركتهن في مختلف المشاريع الخيرية والتطوعية التي تهدف إلى النهوض بالسلط”
كنيسة ومسجد وزي العروس
على أطراف المدينة، يقع مقام وضريح النبي يوشع بن نون، الذي يعود تاريخ بنائه إلى عهد الدول العثمانية، وتم تجديده في عهد الملك الحالي عبد الله الثاني عام 2004، وإلى جانبه مسجد بذات الاسم يطل على الأغوار وجبال الضفة الغربية ومدينة القدس
في الوسط، تستقبل كنيسة “الخضر”، المعروفة بـ”كنيسة القديس جورجيوس”، والذي يعود تاريخ بنائها لعام 1682، تستقبل السياح من مختلف دول العالم، إضافة إلى المحليين منهم، مسلمين ومسيحيين
وفور دخول “بيت خيرات السلط” الخاص بالأزياء التقليدية للمرأة السلطية، يواجه زائره ثوب كبير يُطلق عليه “الخلقة”، وهو زي العروس، والذي يعود تاريخه لعام 1862
وأشارت صاحبة البيت، ثائره عربيات، المختصة في هذا المجال، أن “هذا الثوب (الخلقة) مصنوع من قماش التوبيت الإنجليزي، المأخوذ من دودة القز، وهو طبيعي مائة بالمائة”
وتابعت: “يتميز الثوب ببرودته صيفا ودفئه شتاء، وتبلغ كمية القماش المصنع منها ما بين 16 – 22 ذراعا (الذراع من أول الإصبع إلى أول الكتف، 90 سم تقريبا)، ويختلف ذلك المقاس بحسب حجم العروس، فقد يزيد وقد ينقص”
وأضافت: “الخلقة تنقسم إلى 85 قطعة، تتوزع على الأردان (اليمين واليسار) والدارة (أسفل الثوب) والبنايق (جوانبه) وقبة الصدر، ويوضع على الخصر حزام مصنوع من الصوف يسمى السفيفة”
واستدركت: “استخدامه الرئيسي هو للعروس، ثم أصبح فيما بعد للمناسبات، وعندما تكبر المرأة في العمر، يتحول إلى لباس الحياة اليومية”
شهداء أتراك
يقع في السلط، صرح الشهداء الأتراك، الذي يرقد فيه رفات 300 جندي عثماني، قضوا في الحرب العالمية الأولى (1918– 1914)، دفاعا عن بلادهم في مواجهة الإنجليز
وتم تشييد الصرح في عهد ملك الأردن الراحل الحسين بن طلال، ورئيس الجمهورية التركية الأسبق سليمان ديميريل، في العام 1994
وفي 28 يونيو 2004، تم تجديد بناء الصرح، وجرى افتتاحه مجددا في 14 أغسطس/آب من العام ذاته
ويضم الصرح متحفا للصور، التي توثق بطولات الجيش العثماني وعملياته في المنطقة، كما يحتوي على نموذج للبزات العسكرية، التي كان يرتديها الضباط والجنود في ذلك الوقت
وبات الصرح مزارا للسياح العرب والأتراك، الذين يقصدونه على مدار العام، إذ يجدون فور دخولهم إليه جدارية كُتبت عليها أسماء الشهداء، لتبقى تضحياتهم المشرفة حاضرة على مرّ العصور
ويتبع الصرح لوزارة الدفاع التركية، حيث تملكت الأرض المقام عليها، فيما تشرف الملحقية العسكرية بالسفارة التركية في الأردن عليه