«تل الجادور» وهو من أهم التلال الأثرية في هذه المنطقة ،ولقد ورد إسم هذا الموقع في العديد من المصادر التاريخية ،حيث يضم آثاراً قديمة ترجع لعصور خلت أهمها البرونزية والرومانية والبيزنطية ،ومن أبرز هذه الآثار التي تم إكتشافها حديثا الجدار الدفاعي الذي يعود الى العصر البرونزي الوسيط 2000-1550 ق.م .والذي بني من الحجر الصلب الغير المشذّب والطين، وبذلك تكون مدينة السلط من أقدم المدن الدفاعية التي إحيطت بسور دفاعي في هذه المنطقة ،حيث كشفت التنقيبات عن جزء بسيط من الجدار الذي كان يحيط بالمدينة للدفاع عنها وذلك في حرم مدرسة السلط الثانوية للبنين ،وهو ما يؤكد على التوطن البشري الكثيف في منطقة السلط وجوارها والدور الحضاري الذي لعبته في تاريخ المنطقة . كما ان وجود الجدار الدفاعي حول المدينة كان سبباً في إطلاق التسمية على هذا الموقع ، حيث أن كلمة جدار في اللغة تعني السور.ولأهمية الموقع ،فقد أقامت وزارة السياحة والآثار فوقه مظلة خشبية للحفاظ عليه.
والجدير ذكره- في هذا السياق- أنه كانت تقوم على قمة التل مدينة جادوراGadora عاصمة مملكة بيرايا التي ظهرت في القرن الأول للميلاد .
وكان أول تقرير يتحدث عن آثار منطقة السلط هو الذي كتبه القس البريطاني غارو دنكن نتيجة زيارتين للمدينة لم يحدد وقت الزيارة لهما .وقد نشر هذا التقرير سنة 1928م ويتحدث فيه عن القلعة وأبراجها والخندق والنفق السري من القلعة الى نبع الماءفي وسط البلد وعن التل والمدافن والتحصينات وعن تدمير القلعة من قبل إبراهيم باشا في عام 1840م.
التل : قال إحد الرحالة الأجانب في عام 1875م أن إحد السكان أخبره «ان رجلا كان يحفر الى جانب تلة غير بعيدة عن البلدة عثر على أعمدة ومصطبة من الفسيفساء وآثار أخرى « إن التلة المقصودة هي « تلة الجادور» أو كما تسمى اليوم «التل»وتقع في الجزء الجنوبي من مدينة السلط وتشرف على وادي السلط من جهة وعلى ملتقى سفوح جبال وتلال المدينة من جهتها الأخرى .وتتربع على قمتها أول مدرسة ثانوية في الأردن وهي مدرسة السلط الثانوية للبنين ومسجد ومقام النبي جاد بن النبي يعقوب (عليهما السلام )ومقبرة هي مقبرة الجادور .كان إسم موقع السلط في الفترة البيزنطية سالتوس Saltusومن معانيها الأرض الخضراء الحرجية أو الوادي الضيق الشديد إلانحدار .
ومن الجهة الجنوبية من التل تتدفق عينان . الأولى هي عين الجادور الفوقا والثانية هي عين الجادور التحتا . وقد كان هذان النبعان وما يزالان يستخدمان في ري البساتين الواقعة على طول وادي السلط وكما كانت ربات البيوت يستخدمن مياه العين لغسل وتنظيف صوف الأغنام ،حيث أن هذه العين قد إشتهرت بغزارة مائها حتى وصفها إحد الجغرافيين «بأنها نهر يتدفق ينبوعه من قلب المدينة «وفي العهد العثماني أُقيمت بجانب العين الفوقا قنطرة حجرية قوسية (جسر)لغايات نقل مياه العين لري البساتين .وكانت قد أنشئت قناطر مماثلة في مناطق اخرى بالمدينة على سيل وادي الشجرة في موقع مجمع مبنى النقابات المهنية سابقا وعلى مجرى الامطار المحاذي لمبنى البلدية الحالي وكان يوصل حي البياضة بوادي المحباصية والتل ،وكما أُنشئت عّبارة فوق مجرى الأمطار في موقع مدخل سوق الحمام بإتجاه حي الميدان .وكانت تلك الجسور والعبارات قد تهدمت بفعل الامطار .وأُنشئت عبارة عام 1937م على مجرى الامطار في الموقع المؤدي الى المستشفى الإنجليزي بجبل السلالم وكانت تُعرف بجسر السلالم ،وما تزال هذه التسمية تطلق على هذا الموقع حتى اليوم .
والى جانب عين «جيدرو» كما كانت تسمى أيضاً – كهف منحوت في الصخر لدفن الموتى .وقد يكون كنيسة كما ذكر الرحالة بيركهارت .وأما في الجزء السفلي من التل فكانت توجد بقايا أعمدة وحجارة قديمة ضخمة مبعثرة على مساحة واسعة كانت تؤلف أجزاء من مدينة «جادورا» القديمة المتهدمة .
كما عثر في هذا التل على بقايا أوانٍ فخارية تبين أنها ترجع الى العصرين الروماني والبيزنطي ،مما يؤكد على ازدهار المدينة في تلك الحقبة من الزمان .
إن تراب التل يخفي تحته أنقاض تلك المدينة الهلينية «جادورا» كما هو الحال في المدن القديمة التي كانت تبنى عدة مرات فوق خرائب وبقايا مدن سابقة تم تدميرها خلال الحروب أو الكوارث الطبيعية كالزلازل أو بالحرق أو إنتشار الأمراض الوبائية التي كانت تجتاح المنطقة مما كان يضطر أهلها الى النزوح عنها الى أماكن أخرى .
لقد نشأت مدينة السلط – في الأصل- في موقع التل وأنتشرت بيوت السكن على السفوح أيضا صوب وادي المحباصية .ثم أمتدت الى الداخل بإتجاه القلعة .
وفي العصر البيزنطي إحتل «تل الجادور» منزلة دينية عندما ضم الكنيسة والمعابد الأخرى .ولقد أكد هذه الحقيقة إكتشاف الأرضيات الفسيفسائية التي تم العثور عليها أثناء بناء مدرسة السلط في عام 1923م وخلال تسوية أرض ملعب المدرسة في عام 1950م .وفي تلك الحقبة الغابرة ظلت المدينة تنعم بالحصانة والقوة .وتتصل بالعالم الخارجي عن طريق الشمال المؤدي لبلاد الشام وهو وادي الحلبي والجنوب الغربي الموصل الى فلسطين وهو وادي شعيب والشرقي الموصل الى ربة عمون (عمان).
ولقد بينت الإكتشافات الأثرية في عام 1925م أثناء فتح الطريق المؤدية الى التل قد شطرت أحد القبور التاريخية الذي يتكون من غرفةنحتت في الصخر وعلى جدرانها نحتت أقواس وكل منها يحوي مصطبة لإستقبال الجثة ،وعلى مقربة من هذا القبر فتحة صغيرة مستطيلة حفرت في الصخر ولها ثلاثة أقواس على شكل حذوة حصان ،وأما الباب الحجري الذي كان فوق الفتحة فقد إختفى .وكما عثر على مدافن قديمة كانت تحتوي على أوانٍ نحاسية وزجاجية وقطع معدنية ونقدية وغيرها .
إن الموقع الأثري «التل «يكون عادة يتألف من طبقات متراكم بعضها فوق بعض تمثل كل طبقة منها مرحلة في تاريخ الإستقرار فيه ،وعالم الآثار يكون قادرا على تمييز الواحدة عن الأخرى من هذه الطبقات .كما أن الفخار هو الشاهد الوحيد الذي يمكن وصفه بأنه لا ينقطع أو يختفي ،وذلك كما ما ورد في مذكرات الرحالة والمكتشفين الأجانب .
وكان بعض ما أكتشف من آثار في منطقة السلط قد تم بطريق المصادفة ،ففي عام 1971م كانت إحدى آليات بلدية السلط تقوم بشق طريق فرعي في الجنوب الغربي من المدينة في موقع مقبرة سارة بوادي الشجرة أكتشف قبر قام بفحصه إحد مفتشي الأثار فوجده مدفنا محفوراً في الصخر يعود الى الفترتين الرومانية والبيزنطية .
وفي عام 1974م أكتشف في منطقة زي عن أرضية فسيفسائية لكنيسة .وفي عام 1978م أثناء تجريف قطعة الأرض التي أقيمت عليها محطة التنقية بوادي السلط كشفت عن مدفن لعائلة رومانية نحتت في الصخر وقد أستخدم هذا المدفن في القرنين الثالث والرابع الميلاديين .وفي سنة 1981م أثناء حفر مشروع عمراني لبلدية السلط بين حي الجدعة وتل الجادور عثر على بقايا حمام روماني .وثمة إكتشافات أثرية أخرى في مناطق السلط وجوارها .