السلط الأردنية مدينة تزخر بتنوع ثقافي وحضاري وتسامح ديني

Facebook
WhatsApp
Email

منقول عن موقع صحيفة العرب

إدراج المدينة على قائمة التراث العالمي يفتح الباب أمام استكشافها

تُعدّ مدينة السلط الأردنية التي تعتبر رابع أكبر مدن المملكة سكانا، والتي أدرجتها لجنة التراث العالمي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم (اليونسكو) على قائمة التراث العالمي، مثالا للتسامح الديني والتنوع الحضاري والثقافي

السلط (الأردن) سلط إعلان لجنة التراث العالمي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة “اليونسكو” إدراج السلط على قائمة التراث العالمي، الضوء على هذه المدينة الأردنية التي تزخر بكل مقومات التسامح الديني وغيره

وعلى بعد 30 كلم من العاصمة الأردنية عمان، وعلى سفوح مرتفعات البلقاء، تقع السلط التي تُعدّ رابع أكبر مدن المملكة سكانا، وسميت قديما بـ”سالتوس”، نسبة إلى القائد اليوناني الذي فتحها زمن الإسكندر المقدوني وبنى فيها معبدا للإله “زيوس” بمنطقة “زي”.

وما إن يدخل زائرها المكان، حتى يجد حفاوة استقبال قل نظيرها، فالكرم صفة العموم لأهلها، فالابتسامة لا تفارقهم، و”أهلا وسهلا” أكثر كلامهم، يبعثون بها رسالة تنم عن طيب أخلاقهم

“أبيش (لا يوجد) أحلى من السلط” مقولة مشهورة في الأردن، فبها ومن خلالها تتقلص كل المسافات على زائريها، وتصل الفكرة عن طبيعتها قبل دخول أزقتها وحواريها وشوارعها القديمة، وعمق التاريخ وأصالته تشهد له مبانيها التراثية المنتشرة في أرجاء المدينة

وتعرف المدينة تعايشا دينيا منقطع النظير حيث يُقرع جرس الكنيسة في ذات الوقت الذي يُرفع فيه الأذان في المسجد، ويتعايش الجيران المسلم والمسيحي معا إذ تجمعهم المحبة والمودة

ويتشارك هؤلاء المختلفون دينيا أفراحهم، فيما تُعدّ مآتمهم حزنا للجميع وهو ما يلفت الانتباه للسلط

وفي 27 يونيو الماضي، قررت لجنة التراث العالمي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة “اليونسكو”، الموافقة على إدراج السلط “مدينة التسامح والضيافة الحضارية” على قائمة التراث العالمي

قال وزير السياحة والآثار نايف الفايز خلال مشاركته في اجتماعات اللجنة افتراضيا في وقت سابق، إن السلط “من بين الأولويات العليا للمملكة لأهميتها في إظهار خصائص التسامح والعيش المشترك والرعاية الاجتماعية بين سكانها”

وأضاف أن “التكافل الاجتماعي بين الأسر في مدينة السلط وزوارها، وعدم وجود أحياء منفصلة على أساس ديني هو من الميزات الواضحة للمدينة”، مؤكدا أن إدراج السلط على قائمة التراث العالمي “سيدعم ثقافة التراث والتسامح والوئام بين الأديان”

وتابع الفايز بالقول إن “الأردن ولجنة التراث العالمي يوجهان اليوم رسالة مهمة إلى العالم أجمع، رسالة سلام وتسامح وتعايش”، مشيرا إلى أن “العمارة المتميزة لمدينة السلط تبين التبادلات الثقافية التي أسفرت عن مزيج فريد من الأنماط المعمارية عالية المستوى

ولفت إلى تقديم ملف ترشيح السلط لأول مرة عام 1995، ثم لاحقا في عام 2017 وأخيرا عام 2021، ما يشير إلى التزام الأردن بحماية واستدامة القيمة العالمية المتميزة وسمات مدينة السلط

وبدوره، قال مدير دائرة الآثار العامة بالوكالة هشام العبادي، إن إدراج مدينة السلط على قائمة التراث العالمي، يأتي نتيجة “التعاون الكبير والجهود الحثيثة والعمل بروح الفريق الواحد بين الوزارة والجهات المعنية الأخرى

تقاسم الأدوار

حت ظلال الأشجار في “ساحة العين” في مدينة السلط يجلس رجال ممن تزيد أعمارهم عن الستين عاما، يسلون أنفسهم بألعاب تراثية ورثوها عن أجدادهم هي “الطاولة” و”المنقلة”، ويفرق جمعهم رفع أذان الظهر لأداء الصلاة

ويقول إبراهيم المصري البالغ من العمر 63 عاما إن “الساحة تحمل اسمها نسبة إلى عيون الماء الثلاث التي كانت فيها، وتعدّ أكبر تجمع سكاني في تاريخ الدولة الأردنية”

وبالخروج من الساحة، لا بد لضيوف السلط من المرور بمطعم “الإسكندراني”، والقائم في بناء يزيد عمره عن 150 عاما، يتميز بفن إعماره، فجزء منه محفور أسفل أحد شوارع المدينة، ليشكل فنا مبتكرا في كيفية استغلال المكان، دون المساس بالمعالم التراثية للمدينة

وبحسب ما أفاد صاحب المطعم محمد باكير، فإن إطلاق اسم الإسكندراني على المطعم هو نسبة لمؤسسي المكان، وهم أخواله، القادمون من لواء الإسكندرون في تركيا، فقد تركوا بصمات واضحة من خلال تصاميم “العقود”، التي يتسم بها البناء العثماني القديم

وأضاف باكير أن “الأكلات الشعبية السلطية هي ما يقدم في المطعم، وتحقيقا لمبدأ التمكين المجتمعي، فإن جميع الأصناف المقدمة هي صناعة منزلية، تتقنها أيادي نساء المدينة”

ووصف خالد السليم وهو رئيس “وحدة شباب السلط” التطوعية والتي تأسست عام 2016، شباب مدينته، بأنهم “رجال منذ طفولتهم، فالطفل تشعر برجولته منذ صغره، مبادئهم راسخة، ولا تجد اختلافا في أفكار أبناء السلط، فكبير السن يتفق مع الشاب رغم فرق العمر بينهم، وبالعكس”

أما نساؤها، فلا يقل دورهن عن الرجال في بناء المجتمع السلطي، فقد أكدت ريما ارتيمة وهي سيدة مجتمع وناشطة، أن “النساء في السلط يتقاسمن الأدوار المجتمعية مع الرجال، ولهن دور فاعل بمختلف المجالات، فالتربية المبنية على ثوابت أهل المدينة وقيمهم وعاداتهم هي ما يميزهن، فضلا عن مشاركتهن في مختلف المشاريع الخيرية والتطوعية التي تهدف إلى النهوض بالسلط”

تنوع ديني

على أطراف مدينة السلط يقع مقام وضريح النبي يوشع بن نون، الذي يعود تاريخ بنائه إلى قرون خلت، وتم تجديده في عهد العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني عام 2004، وإلى جانبه مسجد بذات الاسم يطل على الأغوار وجبال الضفة الغربية ومدينة القدس

وفي الوسط، تستقبل كنيسة “الخضر”، المعروفة بـ”كنيسة القديس جورجيوس”، والذي يعود تاريخ بنائها إلى عام 1682، تستقبل السياح من مختلف دول العالم، إضافة إلى المحليين منهم، سواء كانوا مسلمين أومسيحيين

وفور دخول “بيت خيرات السلط” الخاص بالأزياء التقليدية للمرأة السلطية، يواجه زائره ثوب كبير يُطلق عليه “الخلقة”، وهو زي العروس، والذي يعود تاريخه إلى عام 1862

وأشارت صاحبة البيت ثائره عربيات، المختصة في هذا المجال، إلى أن “هذا الثوب (الخلقة) مصنوع من قماش التوبيت الإنجليزي، المأخوذ من دودة القز، وهو طبيعي مئة في المئة”

وتابعت “يتميز الثوب ببرودته صيفا ودفئه شتاء، وتبلغ كمية القماش المصنع منها ما بين 16 – 22 ذراعا (الذراع من أول الإصبع إلى أول الكتف، 90 سم تقريبا)، ويختلف ذلك المقاس بحسب حجم العروس، فقد يزيد وقد ينقص”

أضافت “الخلقة تنقسم إلى 85 قطعة، تتوزع على الأردان (اليمين واليسار) والدارة (أسفل الثوب) والبنايق (جوانبه) وقبة الصدر، ويوضع على الخصر حزام مصنوع من الصوف يسمى السفيفة”

واستدركت “استخدامه الرئيسي هو للعروس، ثم أصبح في ما بعد للمناسبات، وعندما تكبر المرأة في العمر، يتحول إلى لباس الحياة اليومية”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *